قالت: بلغني أيها الملك السعيد إن العفريت أنتفض وصار دخاناً صاعداً إلى الجو ثم أجتمع ودخل في القمقم قليلاً قليلاً , وإذا بالصياد قد اسرع وأخذ السدادة الرصاص وسد بها فم القمقم , ونادى العفريت , وقال له : تمن علي أي موتة تموتها , لأرمينك في هذا البحر وإبني لي هنا بيتاً , وكل من أتى هنا أمنعه إن يصطاد واقول له هنا عفريت و وكل من أطلعه يبين له أنواع الموت ويخيره بينها , فلما سمع العفريت كلام الصياد أراد الخروج فلم يقدر ورأى نفسه محبوساً ورأى عليه طبع خاتم سليمان , وعلم أن الصياد ذهب بالقمقم إلى جهة البحر . فلطف المارد كلامه وخضع , وقال : ما تريد أن تصنع بي يا صياد ؟ قال : ألقيك في البحر, وإن كنت أقمت فيه ألفاً وثمانمائة عام فأنا أجعلك تمكث إلى إن تقوم الساعة , فقال العفريت افتح لي حتى أحسن إليك , فقال له الصياد : تكذي يا ملعون , أنا مثلي ومثلك مثل وزير الملك يونان الحكيم دوبان . فسأله العفريت : وما قصتهما ؟
قال الصياد : إعلم إيها العفريت إنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مدينة الفرس ملك يقال له الملك يونان وكان ذا مال وجنود وبأس وأعوان. وكان في جسده برص قد عجزت عن شفائه الحكماء ولم يقدر أحد من الأطباء أن يداويه. وكان قد دخل مدينة الملك يونان حكيم كبير طاعن في السن يقال له الحكيم دوبان . كان عارفاً بالكتب اليونانية والفارسية والرومية والعربية والسريانية وعلم الطب والنجوم. وعالماً باصول حكمتها وقواعد أمورها , من منفعتها ومضارها , عالماً بخواص النباتات والحشائش والأعشاب المضرة والنافعة , وعرف علم الفلاسفة وحاز جميع العلوم الطبية وغيرها. ثم أنه حكيم لما دخل المدينة واقام بها سمع خبر الملك وما جرى له من البرص الذي أبتلاه الله به , وقد عجزت من مداوته الأطباء وأهل العلوم.
فلما بلغ هذا الحكيم بات مشغول البال فلما اصبح الصباح لبس ودخل على الملك يونان وأعلمه بنفسه فقال : أيها الملك بلغني ما اعتراك في جسدك , وإن كثيرا من الأطباء لم يعرفوا الحيلة في زواله , و وها أنا جئت أداويك أيها الملك ولا اسقيك دواء ولا أدهنك بدهن. فلما سمع الملك يونان كلامه, تعجب وقال : كيف تفعل؟ فوالله أن ابرأتني أغنيك لولد الولد , وأنعم عليك , وكل ما تتمناه فو لك وتكون نديمي وحبيبي. ثم أنه خلع عليه وأحسن إليه وسأله: أتبرئني من هذا المرض بلا دواء ولا دهان ؟ قال : أجل . فتعجب الملك ثم أمره بأن يفعل . فقال له : سمعاً وطاعة .
ثم أنه نزل من عند الملك واكترى له بيتاً وحط فيه كتبه وأدويته وعقاقيره ثم أستخرج الأدوية والعقاقير وجعل منها صولجان وجوفه وعمل له قصبة وصنع له كرة بمغرفته , فلما صنع الجميع وفرغ منها طلع إلى الملك في اليم الثاني ودخل عليه وأمره أن يركب إلى الميدان وإن يلعب بالكرة والصولجان , وكان معه الأمراء والحجاب والوزراء وأرباب الدولة. فلما أستقر به الجلوس في الميدان حتى دخل عليه الحكيم دوبان وناوله الصولجان , وقال له : خذ هذا الصولجان واقبض عليه مثل هذه القبضة وامشر في الميدان واضرب به الكرة بقوتك حتى يعرق كفك وجسدك, فينفذ الدواء من كفك فيسري في سائر جسد , فإذا عرقت وسرى فيك الدواء فارجع إلى قصرك وادخل الحمام وأغتسل فقد برئت.
عند ذلك أخذ الملك يونان ذلك الصولجان من الحكيم وقبض عليه بيده وركب الجواد ورميت الكرة بين يديه , وساق خلفها حتى لحقها وضربها بقوة , وهو قابض بكفه على قبضة الصولجان , وما زال يضرب به الكرة حتى عرق كفه وسائر بدنه وسرى فيه الدواء من القبضة , وعرف الحكيم دوبان أن الدواء سرى في جسده فأمره بالرجوع إلى قصره والدخول إلى الحمام من ساعته. فرجع الملك يونان من وقته وأمر أن يخلوا له الحمام , وتسارع الفراشون وتسابق المماليك وأعدوا للملك قماشاً , ودخل الحمام وأغتسل غسيلاً جيداً ولبس ثيابه داخل الحمام , ثم خر منه وركب إلى قصره ونام فيه.
يتبع ^^