قالت : بلغني أيها الملك السعيد أن الصياد لما قال للعفريت : لو ابقيتني كنت أبقيتك لكن ما أردت إلا قتلي , فأنا أقتلك محبوساً في هذا القمقم وألقيك في هذا البخر . صرخ المارد وقال : بالله عليك أيها الصياد لا تفعل وابقني حياً, ولا تؤاخذني بعملي فإذا كنت أنا مسيئاً , كن أنت محسناً ولا تعمل كما عمل أمامة مع عاتكة . قال الصياد : وما شأنهما ؟؟ فقال العفريت : ما هذا وقت حديث وأنا في السجن حتى تطلعني منه وأنا أحدثك بشأنهما . فقال الصياد : لا بد من إلقائك في البحر ولا سبيل في أخراج منه. ثم قوى قلبه وقال: أيها العفريت قال الله تعالى : { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا}, وأنت قد عاهدتني , وحلفت أنك لا تغدر بي . فإن غدرت بي يغدر بك الله فأنه غيور يمهل ولا يهمل , وأنا قلت لك مثل ما قال الحكيم دوبان للملك يونان أبقني يبقك الله .
فضحك العفريت ومشى قدامه وقال : أيها الصياد أتبعني , فمشى الصياد وراءه وهو لم يصدق بالنجاة إلى أن خرجا من ظاهر المدينة وطلعا على جبل ونزلا إلى برية متسعة , وإذا في وسطها بركة ماء , فوقف العفريت عليها وأمر الصياد أن يرطح الشبكة ويصطاد , فنظر الصياد إلى البركة , وإذا فيها السمك ألواناً منها الأبيض وألأحمر والأزرق والأصفر فتعجب الصياد من ذلك . ثم أنه طرح شبكته فوجد فيها أربع سمكات كل سمكة بلون , فقال له العفريت : ادخل بها إلى السلطان وقدمها إليه فإنه يعطيك ما يغنيك . وبالله أقبل عذري فإنني في هذا الوقت لم أعرف طريقاً وأنا في البحر مدة ألف وثمانمائة عام. ما رايت ظاهر الدنيا إلا في هذه الساعة , ولكن لا تصطد منها كل يوم إلا مرة واحدة , واستودعك الله .
ثم دق الأرض بقدميه فاشقت الأرض وأبتلعته , ومضى الصياد إلى المدينة وهو متعجب مما جرى له مع هذا العفريت . ثم أخذ السمك ودخل به منزله وأتى بماجور , ثم ملأه ماء وحط فيه السمك , فاختبط السمك من داخل لماجور في الماء , ثم حمل الماجور فوق رأسه وقصد به قصر الملك كما أمره العفريت . فلما طلع الصياد إلى الملك وقدم لع السمك تعحب غاية في العجب من ذلك السمك الذي قدمه إليه , لأنه لم ير في عمره مثله صفة ولا شكلاً. فألقوا هذا السمك للجارية الطباخة فأمرها الوزير أن تقليه بعدما أوصاها , ثم رجع , فأمره الملك أن يعطي الصياد أربعمائة دينار فأعطاه الوزير إياها , فأخذها في حجره وتوجه إلى منزله لزوجته وهو فرح ومسرور , ثم اشترى لعياله ما يحتاجون إليه .
هذا ما كان من أمر الصياد وأما ما كان من أمر الجارية فإنها أخذت السمك ونظفته ورصته في الطاجن , ثم أنها تركت السمك حتى يستوي وجهه وقلبته على الوجه الثاني , وإذا بحائط المطبخ قد أنشقت وخرجت منها صبية رشيقة القد كاملة الوصف, وفي معصميها أساور وفي أصابعها خواتم بالفصوص المثمنة , وفي يدها قضيب من الخيزران , فغرزت القضيب في الطاجن وقالت : يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم ؟ فلما رأت الجارية هذا غشي عليها وقد أعادت الصبية القول ثانساًوثالثاً : فرفع السمك رأسه في الطاجن وقال : نعم نعم , ثم قال جميعا هذا البيت :
إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا *** وإن هجرت فإنا قد تكافينا
فعندما ذلك قلبت الصبية الطاجن وخرجت من الموضع الذي دخلت منه والتحم الحائط كما كان , ثم قامت الجارية ورأت الأربع سمكات محروقة مثل الفحم الأسود . وإذا بالوزير واقف على راسها وقال لها : هاتي السمك للسلطان , فبكت الجارية وأعلمت الوزير بالحال الذي جرى , فتعجب الوزير من ذلك وقال ما هذا إلا أمر عجيب, ثم إنه أرسل إلى الصياد فأتوا به إليه , فقال له : أيها الصياد لا بد أن تجيء لنا بأربع سمكات مثل التي جئت بها أولاً. فخرج الصياد إلى البركة وطرح شبكته ثم جذبها وإذا بأربع سمكات , فأخذها وجاء بها إلأى الوزير فدخل الوزير إلى الجارية , وقال لها : قومي أقليها قدامي حتى أرى هذه القصة . فقامت الجارية وأصلحت السمك ووضعته في الطاجن على النار , فما أستقر إلا قليلاً وإذا بالحائط قد أنشقت والصبية وقد ظهرت وهي لابسة ملبسها وفي يدها القضيب , فغرزته بالطاجن وقالت : يا سمك يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم ؟ فرفعت السمكات رؤوسها وأنشدت البيت السابق .
وأدرك شهرزاد الصباح , فسكتت عن الكلام المباح