ثم أردنا السفر فوجدنا على شاطئ البحر جارية فقبلت يدي وقالت: يا سيدي هل عندك إحسان ومعروف أجازيك عليهما؟ قلت: نعم فقالت: يا سيدي تزوجني وخذني بلادك فإني قد وهبتك نفسي فافعل معي معروفاً لأني ممن يصنع معي المعروف والاحسان يجازى عليهما, ولا يغرنك حالي. فلما سمعت كلامها حن قلبي إليها لأمر يرديه الله عز وجل فأخذتها وكسوتها وفرشت لها في المركب فرشاً حسناً وأقبلت عليها وأكرمتها , ثم سافرنا وقد أحبها قلبي محبة عظيمة وصرت لا افارقها ليلاً ولا نهاراً. وأشتغلت بها عن أخوي فغارا مني وحسداني على مالي وكثرة بضاعتي وطمحت عيونهما في المال جميعه وتحدثا بقتلي وأخذ مالي, وزين لهما الشيطان أعمالهما فجاءاني وأنا نائم بجانب زوجتي ورمياني بالبحر, فلما أستيقظت زوجتي انتفضت فصارت عفريته وحملتني وأطلعتني على جزيرة وغابت عني قليلاً وعادت إلي عند الصبح , وقالت لي: أنا زوجتك التي حملتك ونجيتك من القتل بإذن الله تعالى واعلم أني جنية رايتك فأحبك قلبي وأنا مؤمنة بالله ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فجئتك بالحال الذي رايتني فيه فتزوجت بي وها أنا قد نجيتك من الغرق وقد غضبت على أخويك ولا بد أن أقتلهما.
فلما سمعت حكايتها تعجبت وشكرتها على فعلها وقلت لها: أما هلاك أخوي فلا ينبغي, ثم حكيت لها ما جرى لي معهما فلما سمعت كلامي قالت: أنا في هذه الليلة أطير إليهما واغرق مركبهما وأهلكهما , فقلت لها : بالله لا تفعلي فإن صاحب المثل يقول : " يا محسناً لمن اساء كفى المسيء فعله " . وهما أخواي على كل حال, قالت : لا بد من قتلهما , فأستعطفتها . ثم أنها حملتني وطارت فوضعتني على سطح داري ففتحت الأبواب واخرجت الذي أخباته تحت الأرض وفتحت دكاني بعدما سلمت على اناس واشتريت البضائع , فلما كان الليل دخلت داري فوجدت هاتين الكلبتين مربوطتين فيها فلما راياني قاما إلي وبكيا وتعلقا بي , فلم اشعر إلا وزوجتي قالت :هذان أخواك, فقلت من فعل بهما هذا الفعل قالت : أنا أرسلت أختي ففعلت بهما ذلك , وما يتخلصان إلا بعد عشر سنوات فجئت إليها كي تخلصهما بعد أقامتها عشر سنوات في هذا الحال . فرايت هذا الفتى فأخبرني بما جرى بينك وبينه وهذه قصتي.
قال الجني : أنها حكاية عجيبة , وقد وهبت لك ثلث دمه في جنايته.
فعند ذلك تقدم الشيخ الثالث صاحب البغلة وقال للجني : أنا أحكي لك حكاية أعجب من حكاية الأثنين وتهب لي باقي دمه وجنايته. فقال الجني : نعم , فقال الشيخ ايها السلطان ورئيس الجان إن هذه البغلة كانت زوجتي, سافرت وغبت عنها سنة كاملة ثم قضيت سفري وجئت إليها في الليل فرايتها تخونني مع عبداً اسوداً, فلما رأتني عجلت وقامت إلي بكوز فيه ماء فتكلمت عليه ثم رشتني وقالت : اخرج من هذه الصورة إلى صورة كلب, فصرت في الحال كلباً, فطردتني من البيت , فخرجت من الباب ولم أزل سائرا حتى وصلت إلى دكان جزار, فتقدمت وصرت اّكل العظام . فلما رأني صاحب الدكان أخذني ودخل بي بيته فلما رأتني بنت الجزار غطت وجهها مني وقالت أتجيء لنا برجل وتدخل علينا به؟ فقال أبوها : اين الرجل ؟ قالت: إن هذا الكلب سحرته امرأة وأنا أقدر على تخليصه , فلما سمع ابوها كلامها قال: عليك يا أبنتي أن تخلصيه . فأخذت كوزا فيه ماء وتكلمت عليه ورشت علي منه قليلاً وقالت : أخرج من هذه الصورة إلى صورتك الأولى فصرت إلى صورتي الأولى . فقبلت يدها وقلت لها أريد أن تسحري زوجتي كما سحرتني, فأعطتني قليلاً من الماء وقالت : إذا رايتها نائمة فرش عليها من هذا الماء فتصير كما أنت طالب.
فوجدتها نائمة فرشيت عليها الماء وقلت : اخرجي من الصورة إلى صورة بغلة, وهي هذه التي تنظرها بعينك أيها السلطان ورئيس ملوك الجان . فلما فرغ من حديثه أهتز الجني من الطرب ووهب له باقي دمه.
وأدرك شهرزاد الصباح , فسكتت عن الكلام المباح .
فقالت لها : أختها يا ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه . فقالت / وأين هذا مما سأحدثكم به الليلة المقبلة إن عشت وأبقاني الملك. فقال الملك : والله لا أقتلها حتى أسمع حديثها لأنه عجيب.
نراكم الليلة المقبلة ...
الجمعة أكتوبر 19, 2007 12:26 pm